الأحد، 11 يوليو 2010

التأثيرات المتبادلة بين التصوف والرهبنة المصرية


تعريف الصوفية :-
أن هناك تعريفات كثيرة للتصوف وفى مجال البحث التاريخى يجىء ( جرجى زيدان ) الكاتب اللبنانى
- فيعقد صلة بين الكلمة العربية ( تصوف ) والكلمة اليونانية ( سوفيا ) فيقول : أنها مشتقة من لفظة يونانية الأصل هى ( سوفيا ) ومعناها الحكمة فيكون الصوفية عند جرجى زيدان قد لقبوا بذلك الأسم الذى عرفوا به نسبة إلى ( الحكمة )
- كما ينسبون إلى الحسن البصرى قوله : ( أدركت سبعين بدريا كان لباسهم الصوف ) ويبدو أن لتأثير الرهبنة المسيحية التى كان فيها الرهبان يلبسون الصوف وهم فى أديرتهم كثرة كثيرة من المنقطعين لهذه الممارسة وقد ذكر الكندى أن التصوف عرف بمصر منذ سنة 200 هجرية ، أى قبل مرحلة تطور ظاهرة التصوف بأكثر من مائة عام ويشير ذلك إلى ذو النون المصرى المتصوف . – ويقول المستشرق والمتخصص فى الدراسات الصوفية فون كريمر هذا النوع من النساك هو نمو عربى محلى ، تطورت به مؤثرات مسيحية تعود فى تاريخها إلى ماقبل الإسلام ونحن نعرف إن الرهبانية المسيحية كانت معروفة عند العرب فى البلدان الواقعة على تخوم الصحراء السورية وفى صحراء سيناء كذلك عند شعراء العصر الجاهلى كما فى بيتى امرىء القيس التاليين :
أصاح ترى برقا أريك وميضه كلمح اليدين فى حبى مكلل يضىء سناه ، أو مصابيح راهب أمال السليط بالذبال المقتل وهكذا فإن حركة الزهد المبكرة تعكس طابع القناعة الشديدة المصطبغة بالتعفف عن التباهى بالثروة أو الإنغماس فى الملاذ كما تتسم بالبساطة المتناهية فى العيش والتى هى نوع من الفقر الإدارى . نشأة الصوفية :- لاجدال أن ذو النون المصرى هو أحد الرواد والمؤسسين للفكر الصوفى فى مصر وقد ذكرت أكثر المراجع أنه توفى سنة 856 م عن عمر يناهز تسعون عاماً . اسمه ثوبان بن إبراهيم العربى وتسميته بذى النون تعود إلى قصة مشابه لقصة يونان النبى مع الحوت
( يونس ) – إذ يروى عنه " أن امرأة قد أتته وقالت له أن ابنها أخذه التمساح فلما رأى حرقتها على ولدها أتى النيل وقال : اللهم اظهر التمساح ، فخرج إليه التمساح ، فشق جوفه وأخرج ابنها حيا صحيحاً " وهو من أصل نوبى ونزح إلى أخميم وعاش فيها ويقال انه قد برع فى اللغات فقد اجاد اللغة الهيروغليفية والقبطية والسريانية وقد أنتقل كثيراً ليس فى داخل مصر فقط بل فى خارجها ايضا فزار وادى سيناء والقدس وبغداد ومكة والشام وأختلط بكثرين من الرهبان بداخل مصر وخارجها
1.
- وإن أتجهنا غرباً نجد محى الدين بن عربى العالم والحكيم والصوفى والفقيه والشاعر وهو من بلاد الأندلس ( 1171 – 1249 م ) . - وقد قام بجولة كبيرة لطلب العالم فزار بلاد الأندلس والمغرب العربى ومصر والشام والحجاز وفى مصر تأثر بالتفسير الرمزى للكتاب المقدس فقام بتفسير القرآن بطريقة رمزية . - وشرقاً نجد علماً من أعلام التصوف وهو الحلاج المتوفى عام 920 م وهو ايضاً زار كثير من البلاد ومنها مصر - أما بالنسبة للحلاج ، فالإنسان عنده ( إلهى ) فى الأساس ، إذ أن الله صنعه على صورته ومثاله وأنه هو نفسه العرش واللوح المحفوظ والقلم والكلمة . - وظهر فى القرن الثالث عشر الميلادى أيضاً جلال الدين الرومى ( المتوفى عام 672 هجرية ) والذى يكمل فى الحقيقة العصر الذهبى للتصوف وهكذا فإن مذاهب التصوف تبدأ بذى النون وتنتهى بجلال الدين ويستخلص من هذا ان الصوفية لم يجدوا حرجا فى الأستماع إلى مواعظ الرهبان واخبار رياضتهم الروحية والأستفادة منها ، ونحن نجد فعلاً كثيراً من أخبار رياضات الرهبان وأقوالهم فى ثنايا كتب الصوفية المسلمين وطبقات الصوفية . - إن الممارسات الصوفية على أختلاف مشاربها وطرائق شيوخها ، قاعدة هرم قمته الإعتقاد بعقائد وحدة الوجود والحلول والأتحاد ووحدة الشهود ، تلك العقائد التى أقتبس فلسفتها ومقوماتها وشعائرها ومعتقداتها ونقلها الى بلاد المسلمين : أمثال ذو النون والحلاج وابن عربى وابن الفارض . ومن ثم هذه العقائد هى الغاية العظمى والهدف البعيد لمعظم الذين قطعوا أشواطهم التاريخية فى ساحات التصوف . نماذج من كتابات المتصوفة : هناك الكثير من كتابات المتصوفة تدل دلالة قاطعة على تأثر المتصوفة بالفكر الروحانى القبطى وسوف نورد هنا نموذجين فقط أولا : من خارج مصر : محى الدين بن عربى ثم نصوص من أقوال ذو النون المصرى ومدى تاثره بكتابات معلمى مدرسة الإسكندرية اللاهوتية . بذى سلم والدير من حاضر الحمى ظباء تريك الشمس فى صور الدمى فارقب أفلاكا وأخــدم بيعـــة وأحرس روضاً بالربيع منمنـــاً فوقتا أسمى راعى الظبى بالفــلا ووقتا أسمى راهبــــاً ومنجما تثلث محبوبى وقد كـــان واحدا كما صيروا الأقنام بالــذات أقنما فلا تنكرن ياصاح قــولى غزالة تضىء لغزلان يطفن على الدمـا فللظبى أجياداً وللشمس أوجهــا وللدمية البيضاء صدرا ومعصمـا ثانياً : ذو النون المصرى : مؤسس وواضع بذرة التصوف فى مصر ومنه انتقلت غلى سائر البلاد العربية كان لدى ذو النون المصرى ثقافته العلمية وأيضاً الدينية والروحية وتشير أغلب المراجع إلى أثنين تعلم وتتلمذ على أيديهما وهما إسرافيل وشقران العابد ويرجح أن إسرافيل هذا كان احد معلمى الغنوسية وقد تطرق هذا الصوفى إلى موضوعات كثيرة مثل النفس الإنسانية – الأخلاق البشرية – الجبر والأختيار – المعانى الروحية فى مناسك الحج – الأخوة فى الله – علم الباطن وحقيقته – المعرفة وسبيل الوصول اليها – المحبة الإلهية – المحبة والمعرفة مذهبه الفلسفى : يمكن تلخيص مذهبه فى ثلاث نقاط الطريق إلى الله – المعرفة – المحبة وهذا التدرج هو ما أتبعه أكليمنضس السكندرى فى كتاباته وخاصة الثلاثية التى نقدمها بشىء من التفصيل فإن كتاب أكليمنضس الأول وهو نصح للوثنين يقود إلى معرفة الطريق إلى الله والثانى يقود إلى المعرفة أما العمل الثالث وهو المتفرقات فهو يرفعنا إلى درجات عليا من المحبة تقودنا إلى كمال معرفة اللاهوت ومن الأقوال التى تنسب إلى ذو النون توضح هذا المذهب نورد الآتى - ( عرفت ربى بربى ، ولولا ربى ما عرفت ربى ) - ( إلهى ما أصغى إلى صوت حيوان ولا حفيف شجر ولا خرير ماء ولا ترنم طائر ولا تنعم ظل ولا دوى ريح ولا قعقعة رعد إلا وجدتها شاهدة بوحدانيتك دالة على انه ليس كمثلك شىء .... إلهى لا تترك بينى وبين أقصى مرادك حجابا إلا هتكته ولا حاجزاً إلا رفعته ولا وعرا إلا سهلته ولا بابا إلا فتحته حتى تقيم قلبى بين ضياء معرفتك وتذيقنى طعم محبتك وتبرد بالرضى منك فؤادى وجميع أحوالى حتى لا أختار غير ما تختاره وتجعل لى مقاما بين مقامات أهل ولايتك . وفى حديث له عن كيف أن الرهبان يطلبون المغفرة والرحمة قبل الوقوع فى الخطيئة ( إن من القلوب قلوباً تستغفر قبل أن تذنب – قلوب تثاب قبل أن تطيع أولئك أقوام أشرقت قلوبهم بضياء روح اليقين ، فهم قد فطموا النفوس من روح الشهوات ، فهم رهبان من الرهابين ، وملوك فى العباد ، وأمراء فى الزهاد ، للغيث الذى مطر فى قلوبهم المولعة بالقدوم إلى الله شوقاً ) - طوبى لمن كان شعار قلبه الورع - طوبى لمن تطهر ولزم الباب ، طوبى لمن تضمر للسباق ، طوبى لمن أطاع الله أيام حياته - لله عباد تركوا الذنب استيحاء من كرم بعد أن تركوه خوفاً من عقوبته ولو قال لك أعمل ماشئت فلست أخذك بذنب ، كان ينبغى أن يزيدك كرمه استحياء منه . - كان الرجل من أهل العلم يزداد بعلمه بغضاً للدنيا وتركا لها واليوم يزداد الرجل بعلمه للدنيا حباً ولها طلباً ، وكان الرجل ينفق ماله على علمه واليوم يكسب الرجل بعلمه مالاً . – يامن لا تمل حلاوة ذكره ألسن الخائفين ، ولا تكل من النظر إليه مدامع الخاشعين - المخدوع من ينظر إلى عطاياه ( الله ) فينقطع بالنظر إليه بالنظر إلى عطاياه - تعلق الناس بالأسباب وتعلق الصديقون بولى الأسباب . هناك الكثير من أقواله ولكن سنكتفى بأخر تعليق وخاصة التى تتعلق بالإنسان الذى وصل إلى كمال المعرفة ( الغنوسية الحقة عند أكليمنضس ) وهو يشبه بالإنسان الذى أنار الله عليه بعلمه ( الإنسان المستنير عند أكليمنضس السكندرى )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق