الاثنين، 12 يوليو 2010

علامات مضيئة فى القرن الثامن عشر

لا يأتى ذكر القرن الثامن عشر وخاصة تحت الحكم العثماني إلا ونتذكر مدى ما وصلت إلية مصر من سؤ الأحول على جميع المستويات فلم يكن هم للولاة سوى استنزاف أموال الناس بأية طريقة كانت وبدون استثناء ولم يفرقوا بين مسلم وقبطي ، رجل أو امرأة ، وحتى رجال الدين والرهبان لم يسلموا من شرهم .
وفى هذا العصر انتشرت الضغائن بين المماليك وكذلك بينهم وبين الوالي ولم يكن يمر يوم حتى يسمع عن قتل أحد الأمراء او موت أحد المماليك مسموما
ويرغم هذا السواد الحالك وتفش الجهل و المرض والفقر يبزغ نجم مصرى أصيل يبدد هذا الظلام ويؤكد أن مصر ولادة ينتزع إعجاب الجميع واحترامهم ويكتسب ثقة الولاة والمماليك حتى يصير بدرجة رئيس وزراء على أيامنا هذه .
هذا النجم هو ابراهيم الجوهري
نشأة ابراهيم الجوهري
ولد ابراهيم الجوهري بإحدى قرى قليوب من أبويين فقيرين . وكان والده هو يوسف الجوهري يعمل بالخياطة وهى تعتبر من أهم الحرف التى يمتهنها الاقباط بعد الجواهرجية فى ذلك الحين .
وبالرغم من هذه البيئة الفقيرة إلا ان والده يوسف الجوهرى أصر على تعليمه فأرسله إلى كتاب قريته لتعلم الكتابة والحساب وتكشفت بسرعة مواهب ابراهيم الجوهرى فى الكتابة والحساب حتى انه صار من ابرع من يتولى نسخ الكتب وخاصة الكتاب الدينية، فكان يرسل بعض ما قام بنسخة الى البابا فى ذلك الوقت ( يوحنا الثامن عشر البابا 107 ) .
فكانت هذه النسخ سببا فى تقربه الى البابا وجعلت البابا يتوسط له عند المعلم رزق رئيس كتاب على بك الكبير فعينه أولا كاتبا عند أحد أمراء المماليك ، ثم بعد ذلك أخذه كاتبا له .
استمر على هذا الحال حتى ظهر نجم محمد بك ابو الذهب وكان أحد مماليك على بك الكبير فقام عليه وقتله ، فعزل المعلم رزق من وظيفته وقيل أنه قتله لأنه كان يدين بالوفاء لعلى بك الكبير .

رئيس كتاب مصر
بعد ذلك تولى ابراهيم الجوهرى منصب المعلم رزق فصار رئيسا للكتبة وظل فى منصبة حتى ولاية ابراهيم بك .
وقد أشتهر بالكياسة والتواضع والذكاء الشديد خاصة فى الأمور السياسية ، فحظى باحترام الجميع وحبهم ونال ثقة ابراهيم بك وحبة حتى صار رئيس كتاب القطر المصرى ( تعادل حاليا رئيس الوزراء )
شهدت البلاد على يد المعلم ابراهيم الجوهرى فى فترة ولايته لرئاسة كتبة مصر تحسنا ملحوظا فى علاقة الوالى بالشعب فحاز على حب الجميع المسلمين والأقباط وانعم الله علية بخير كثير فوهب كثير من أملاكه للكنائس والأديرة من هذه الأوقاف 238 مستند موجودة بمكتبة البطريركية .
وانعكس حب ابراهيم بك لإبراهيم الجوهرى فى التحسن الملحوظ لعلاقة الوالى بالأقباط ، ففى عهدة تمت إصلاحات كثيرة للكنائس وبناء كنائس جديدة كذلك امتد التعمير الى الأديرة والاهتمام بأحوال الرهبان .
واغلب الكنائس بمصر القديمة ومنطقة حارة زويلة والسقايين لم تخل من توسعات على يديه وكذلك الموافقة على بناء الكنيسة المرقسية بالازبكية ولكن لم يمهله القدر لحضور افتتاحها .
ولهذه الموافقة قصة فقد تصادف وصول أخت السلطان الكامل قادمة من القسطنطينية الى مصر قاصدة الحج ولكونه من ذوى الشأن فتم تكليفه بمرافقتها أثناء زيارتها لمصر فقام برعايتها وأشرف بنفسه على كل شئونها وفى توديعها قدم لها الكثير من الهدايا .
فأرادت مكافأته على خدمته ، فسألته عما يرغب فيه ، فالتمس منها إصدار فرمان سلطاني لإنشاء كنيسة الازبكية حيث كان يسكن .
كما التمس منها رفع الجزية عن الرهبان فوافقته على طلبه وتم إصدار فرمان سلطانى بذلك .
موائد الوحد الوطنية
ومن مأثرة ايضا أنه أول من أقام موائد الوحدة الوطنية وموائد الرحمن فقد دأب على إعداد موائد فى شهر رمضان للفقراء والأرامل والأيتام وتدبير كسوة للعائلات المحتاجة ولم يفرق فى ذلك بين مسلم وقبطى .
هروب ابراهيم الجوهرى
وفى عام 1787م أرسلت الدولة العثمانية فى عهد السلطان العثمانى عبد الحميد حملة عسكرية تأديبية لمصر بقيادة حسن باشا قبطان وذلك بعد محاولة ابراهيم بك ومراد بك الاستئثار بحكم مصر .
فهرب ابراهيم بك ومراد بك الى الصعيد واضطر المعلم ابراهيم الجوهرى الى مرافقتهما .
وفى أثناء ذلك تعرض المصريين لكثير من الظلم والعدوان ونال الاقباط الحظ الوفير من تلك الاضطهادات ، وهربت زوجة ابراهيم الجوهرى واختفت عند حسن كتخدا الذى كان لإبراهيم زوجها مآثر كبيرة عليه ولكن بعض ضعفاء النفوس ارشدوا عن مكانها لدى حسن باشا ، فأحضرها واجبرها على الاعتراف بأماكن ثرواتهم ، فاستولى على كثير من الذهب والفضة وكل المقتنيات الثمينة .
العودة مرة اخرى
وبعد انتهاء حملة حسن باشا قبطان ، رجع الأمير ابراهيم بك ومراد بك من الصعيد ورجع معهم ابراهيم الجوهرى وعاد إلى نفس وظيفته وسلطاته السابقة ولكنه لم يستمر اكثر من أربع سنوات .
وفى 31 / 5 / 1795 انتقل المعلم ابراهيم الجوهرى ودفن بمقبرته بكنيسة مار جرجس بمصر القديمة ، وقد حزن ابراهيم بك لوفاته كثيرا حتى انه أصر على السير فى جنازته ، وهى حادثة غير مسبوقة فى مصر فى العصر العثمانى .

قالوا عن ابراهيم الجواهرى
قال عنه الجبرتى المؤرخ الشهير والمعاصر له : " انه أدرك بمصر من العظمة ونفاد الكلمة وعظيم الصيت والشهرة ، مع طول المدة بمصر ، ما لم يسبق من أبناء جنسه ، وكان هو المشار أليه فى الكليات والجزئيات ، وكان من دهاقين العالم ودهاتهم ، لا يغرب عن ذهنه شيء من دقائق الأمور ، ويدارى كل إنسان بما يليق به من المدارة ، ويفعل بما يوجب من انجذاب القلوب والمحبة إليه .
وعند دخول شهر رمضان ، كان يرسل الى اغلب أرباب المظاهر ومن دونهم الشموع والهدايا ، وعمرت فى أيامه الكنائس والأديرة ..."
وقال الأنبا يوساب الشهير بالابح أسقف جرجا واخميم : " انه كان محبا لكل الطوائف ، يسالم الكل ، ويحب الجميع ، ويقضى حاجات الكافة ، ولا يميز احد فى قضاء الحق ..."
يعوزنا الكثير حتى نفى هدا الرجل حقه ولكنها شمعة صغيرة نضيئها عرفانا لهدا الرجل .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق